الإيجابية السامة: لماذا قد يصبح التفاؤل أمرا سيئا؟

الإيجابية السامة: لماذا قد يصبح التفاؤل أمرا سيئا؟






كلّ واحد منا سبق له أنّ مرّ في لحظة من لحظات الماضي بخيبة أمل كبيرة أو صدمة سيئة. قد يكون ذلك فقدان وظيفة ما، أو فشلاً دراسيًا… مرضًا خطيرًا أو حادثًا مؤلمًا أو غيرها من الحوادث المفصلية التي قد تغيّر حياة كلّ منّا. ربّما سمعت وقتها أيًّا من العبارات التالية: "كل شيء يحدث بسبب ولسبب". "سيمرّ هذا الأمر أيضًا" "ما لا يقتلك يجعلك أقوى" "ستتجاوز هذه الصعوبات حتمًا" "لا تستسلم" "كان يمكن للأمور أن تكون أسوأ" وغيرها الكثير من مثل هذه العبارات التشجيعية. لكن السؤال الأهمّ الآن هو: ما الذي شعرت به حقًا حينها؟ كيف كانت ردّة فعلك تجاه هذه الكلمات؟ هل حقًا شعرت بحال أفضل؟ أم أنّك في الواقع أحسست بمزيد من الضيق وبأنك واهن ضعيف غير مسموع؟
 إن كانت المشاعر السلبية قد طغت عليك حينها، فذلك طبيعي تمامًا، لأنّك يا صديقي قد وقعت ضحيّة للإيجابية السامة! لاشكّ أنّك مندهش الآن، فكيف يمكن للإيجابية أن تكون سامّة؟ بل وما المقصود بهذه الجملة؟ وكيف تستطيع تجنّبها والتغلّب عليها. هذا ما سنتطرّق للحديث عنه فيما يلي، فما عليك سوى قراءة المقال حتى النهاية. 

ما هي الإيجابية السامة؟


يمكننا تعريف الإيجابية السامّة بأنّها التعميم الشامل والمفرط لمفهوم السعادة والتفاؤل ممّا يؤدي إلى حالة من النكران والتقليل من شأن المشاعر البشرية الفطرية الأخرى، كالحزن والألم والخيبة. فما هو الحلّ إذن؟ كيف نتعامل مع مثل هذه المواقف الصعبة بطريقة صحيحة، وبإيجابية حقيقة؟ يكمن الجواب في اللجوء إلى البدائل الصحية والصحيحة للتعامل مع المواقف الصعبة والحوادث المؤلمة.  فيما يلي بعض الطرق التي تساعدك في التخلّص من الإيجابية السامة، والوصول إلى الإيجابية الحقيقية النافعة: 

1- الاعتراف بمشاعرك ومشاعر الآخرين وتقبلها أحيانًا، 

كلّ ما يحتاجه أحدهم هو أن يتمّ تقبّل مشاعره والاعتراف بها. جميعنا نريد أن يُسمع صوتنا، ولا أحد منّا يرغب في أن يُقال له ما يجدر به وما لا يجدر به الإحساس به، أو أنّ ما يمرّ به ليس بهذا السوء. لكن قبل، أن تتقبّل مشاعر الغير، عليك أوّلاً تقبّل مشاعرك الخاصّة لأنّك إن لم تفعل، ولم تواجهها ستعود إلى السطح من جديد ولكن بشكل أسوأ وأكثر إيلامًا. 

2- التعاطف 

يُقصد بالتعاطف، القدرة على تفهّم مشاعر الآخرين ومشاركتهم آلامهم وأحزانهم. أو بمعنى آخر، القدرة على وضع نفسك مكانهم. جمل بسيطة مثل: "أعلم كم الأمر صعب عليك" أو "أشعر بالأسف لأنّك تمرّ بهذه الظروف"...مثل هذه الجمل كافية في الكثير من الأحيان، وتترك أثرًا أفضل بكثير من كلّ خطابات التحفيز ومواعظ رفع المعنويات. 

3- الضعف والهشاشة 

تبني روابط قوية أحيانًا حينما يراك من حولك متفائلاً وإيجابيًا على الدوام، قد يجدون صعوبة في التواصل وبناء روابط قوية معك. وهذا الأمر قد يُشعرهم في كثير من الأحيان بالإحباط والحزن، وبأنهم بعيدون جدًا عنك. قد تفكّر الآن: "حسنًا تلك مشكلتهم هم وليست مشكلتي!" لكنها في الواقع قد تكون مشكلتك أنت حقًا. ليس المقصد من هذه النقطة أن تمشي يائسًا محبطًا وغاضبًا طوال الوقت. بالطبع لا! لكن الفكرة هي أن تتيح للآخرين رؤية جوانب مختلفة من شخصيتك. بمعنى آخر، كن أكثر انفتاحًا مع الآخرين في الحديث عمّا يواجهك من صعوبات وتحديّات، فمهما كنت إيجابيًا ومتفائلاً، لا شكّ أنّك تمرّ في بعض الأحيان بفترات صعبة ومؤلمة. 

4- اختر التوقيت المناسب 

يُقال: "لا يمكنك رؤية قوس قزح وأنت في قلب العاصفة!" كذلك الأمر مع الإيجابية… من الصعب أن تقتنع أنّ الوظيفة التي تركتها رغمًا عنك لم تكن المكان الأنسب لك. أو أنّ المنحة التي لم تحصل عليها سيأتي أفضل منها… قد تدرك ذلك لاحقًا، لكنك بالطبع لن تفهم الحكمة في لحظة حدوث الأمر… أن تكون إيجابيًا، أمر رائع حقًا، وأن تشجّع أصدقائك ببعض العبارات المحفّزة له منافعه بكلّ تأكيد...لكن عليك أن تختار التوقيت المناسب لذلك. بداية عليك أن تتيح لنفسك أو للآخرين الإحساس بمشاعر الألم والحزن، والتعبير عنها، ثمّ يمكنك بعدها أن تبدأ في بناء نفسك وغيرك من جديد من خلال الخطابات الإيجابية والكلام التحفيزي، وحينها فقط تصبّح الإيجابية حقيقية غير مزيّفة ولا سامّة. 

5- الشعور الأفضل التالي 

هل سبقَ لك أن سمعت عن سلّم المشاعر سابقًا؟ إنه مقياس يوضّح تدرّج المشاعر المختلفة، بحيث يبدأ بمشاعر العار والخجل من الذات في القاع، وينتهي بالتنوّر وأقصى درجات السعادة في الأعلى، في حين تتوزّع بقية المشاعر الأخرى بينهما وفي الكثير من الأحيان يتحدّث خبراء التنمية البشرية عن فكرة الوصول إلى "الشعور الأفضل التالي" وهو بالذات ما يجب أن تتعلّم فعله. كيف ذلك؟ حسنًا، إن كنت مثلاً تحسّ بالغضب، سيكون من الصعب للغاية أن تنتقل من مكانك هذا على مقياس المشاعر إلى البهجة بقفزة واحدة. بدلاً من ذلك، يمكنك صعود السلم تدريجيًا، درجة درجة، فتنتقل من الغضب إلى الكبرياء ثمّ الشجاعة، ثمّ الحياد، يليه الاستعداد للتغيّر، وبعدها التقبّل ثمّ الحكمة والشعور بأنك محبوب، وأخيرًا الوصول إلى السعادة أو البهجة! 

6- الإصغاء والاستماع 

في كثير من الأحيان نفرضُ أو تُفرض علينا مشاعر التفاؤل، لأننا أو لأن الطرف الآخر لا يعلم ما يجدر به قوله في موقف معيّن. لا شكّ أنّك كنت في مثل هذا الموقف يومًا ما. أحد المقرّبين منك يتألم ويعاني، ورؤيته على هذا النحو تؤلمك، لذا فأنت تريد منه أن يشعر بحال أفضل في أسرع وقت ممكن. في أحيان أخرى، قد نشعر بعدم الارتياح في المواقف السلبية، ممّا يدفعنا لمحاولة إصلاحها على الفور من خلال القيام بأيّ شيء قد يشعر الطرف الآخر بالتحسّن. في مثل هذه اللحظات، تذكّر أنّ "الاستماع والإصغاء" هو شيء بالفعل، إنّه شيء جيد ورائع للغاية لتقوم به. 

 7- كن موجودا حين يحتاجون إليك 

تكمّل هذه النقطة سابقتها...قد نلجأ أحيانًا إلى الإيجابية السامّة والتفاؤل المبالغ فيه، لأننا لا نعلم ما الذي يجدر بنا فعله غير ذلك. لكن، عليك أن تدرك هنا أنّ الأمل حقيقي، وكذلك الألم. حينما يمرّ أحدهم بظروف صعبة، وتجده يتألم ويعاني، فهو في غالب الأحيان لا يحتاج منك شيئًا أكثر من وجودك إلى جانبه. لا يحتاج منك أن تحلّ مشاكله أو تساعده على تخطّيها، ولكن يهمّه أن يعرف أنّك تدعمه ولن تتخلّى عنه مهما كانت الظروف. لذا فجملة بسيطة مثل: "أنا معك هنا، وإذا احتجت إليّ ستجدني إلى جانبك دومًا." هذه الجملة قد يكون لها أثر عظيم يفوق كلّ شيء آخر قد تحاول فعله.

الخلاصة: 

المشاعر الحقيقية فقط! إذن، لقد حان الوقت لتستبدل تلك الجمل الرنّانة مثل: "طاقة إيجابية فقط أو "Good Vibes Only" بجملة أكثر صدقًا: "مشاعر حقيقية فقط!" في النهاية، الأمر لا يتعلّق بالإيجابية أو السلبية… لا يتعلّق بأن تكون متفائلاً على الدوام أو متشائمًا طوال حياتك، وإنّما ما يهمّ حقًا هو أن تكون صادقًا مع نفسك ومشاعرك في كلّ الأوقات. إن كنت شخصًا ترى الجانب الممتلئ من الكأس في كلّ شيء، فهذا أمر رائع بلا شكّ، لكن تأكّد أنّ مشاعرك هذه ليست على حساب أحاسيس أخرى تكتمها وتكبتها. حينما لا تجري رياحك كما تشتهي، لا تتظاهر بأنك سعيد ومبتهج رغمًا عنك. لا عيب في الشعور بالضيق أو الحزن أو الغضب أو أيّ مشاعر سلبية أخرى، لكن العيب الحقيقي هو الاستمرار في عيشها إلى الأبد، والأسوأ من ذلك كلّه أن تكبتها في داخلك لتظهر من جديد في شكل أمراض ومشاكل صحية أخطر وأكثر ألمًا. 


المصدر: lifehack

تعليقات